بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الإسراء {104_105}
{ وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا }. {104}
أكملت قصة المثل بما فيه تعريض بتمثيل الحالين إنذارا للمشركين بأن عاقبة مكرهم وكيدهم ومحاولاتهم صائرة إلى ما صار إليه مكر فرعونوكيده ، ففرع على تمثيل حالي الرسالتين وحالي المرسل إليهما ذكر عاقبة الحال الممثل بها إنذارا للممثلين بذلك المصير .
فقد أضمر المشركون إخراج النبيء صلى الله عليه وسلم والمسلمين من مكة ، فمثلت إرادتهم بإرادة فرعون إخراج موسى وبني إسرائيل من مصر ، قال تعالى وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا .
والاستفزاز : الاستخفاف ، وهو كناية عن الإبعاد ، وتقدم عند قوله تعالى وإن كادوا ليستفزونك من الأرض في هذه السورة .
والمراد ( بمن معه ) جنده الذين خرجوا معه يتبعون بني إسرائيل .
والأرض الأولى هي المعهودة ، وهي أرض مصر ، والأرض الثانية أرض الشام ، وهي المعهودة لبني إسرائيل بوعد الله إبراهيم إياها .
ووعد الآخرة ما وعد الله به الخلائق على ألسنة الرسل من البعث والحشر .
واللفيف : الجماعات المختلطون من أصناف شتى ، والمعنى : حكمنا بينهم في الدنيا بغرق الكفرة ، وتمليك المؤمنين ، وسنحكم بينهم يوم القيامة .
ومعنى جئنا بكم أحضرناكم لدينا ، والتقدير : جئنا بكم إلينا .
{ وبالحق أنزلناه وبالحق نزل } {105}
عود إلى التنويه بشأن القرآن متصل بقوله ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا ، فلما عطف عليه وقالوا لن نؤمن لك الآيات إلى هنا ، وسمحت مناسبة ذكر تكذيب فرعون موسى عليه السلام ، عاد الكلام إلى التنويه بالقرآن لتلك المناسبة .
وقد وصف القرآن بصفتين عظيمتين ، كل واحدة منهما تحتوي على ثناء عظيم ، وتنبيه للتدبر فيهما .
وقد ذكر فعل النزول مرتين ، وذكر له في كل مرة متعلق متماثل اللفظ ، لكنه مختلف المعنى ، فعلق إنزال الله إياه بأنه " بالحق " ، فكان معنى الحق الثابت الذي لا ريب فيه ، ولا كذب ، فهو كقوله تعالى ذلك الكتاب لا ريب فيه ، وهو رد لتكذيب المشركين أن يكون القرآن وحيا من عند الله .
وعلق نزول القرآن ، أي بلوغه للناس بأنه بالحق ، فكان معنى الحق الثاني مقابل الباطل ، أي مشتملا على الحق الذي به قوام صلاح الناس ، وفوزهم في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى وقل جاء الحق وزهق الباطل ، وقوله إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله .
وضمائر الغيبة عائدة إلى القرآن المعروف من المقام .
والباء في الموضعين للمصاحبة ; لأنه مشتمل على الحق والهدى ، والمصاحبة تشبه الظرفية ، ولولا اختلاف معنى الباءين في الآية لكان قوله وبالحق نزل مجرد تأكيد لقوله وبالحق أنزلناه ; لأنه إذا أنزل بالحق نزل به ، ولا ينبغي المصير إليه ما لم يتعين .
وتقديم المجرور في الموضعين على عامله للقصر ; ردا على المنكرين الذين ادعوا أنه أساطير الأولين ، أو سحر مبين أو نحو ذلك .
{ وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا } {105}
جملة معترضة بين جملة وبالحق أنزلناه وجملة وقرآنا فرقناه ، أي وفي ذلك الحق نفع وضر ، فأنت به مبشر للمؤمنين ، ونذير للكافرين .
والقصر للرد على الذين سألوه أشياء من تصرفات الله تعالى والذين ظنوا أن لا يكون الرسول بشرا .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
دلال بنت مفلح المطيري
المرجع : التحرير و التنوير