وهذي بعد كتبتها عيوش العلي الله يوفقها وانا قمت بالتنزيل فقط
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
التفسير الموضوعي للسور القرآنية :
زاوية الانطلاق : السورة .
الهدف : استخراج الوحدة الموضوعية .
عند إطالة اللبث والتأمل في السورة ستجدين أن موضوعاتها تدور حول موضوع واحد وغيره من المواضيع فهو لخدمة الموضوع الرئيسي .
1) موضوع المناسبات :
نطلب مناسبات لأن ترتيب المصحف ليس على ترتيب النزول وهو توقفي ، طالما أن الترتيب ليس كما نزل ورتب هكذا لحكمة ينبغي أن نقف عندها ونتدبرها .
الجديد في التفسير الموضوعي : جمعه لأكثر من علم .
التفسير الموضوعي قائم على المناسبات .
كمنهجية في التفسير لم ائت بجديد ثم إن التحدي في القرآن اتجه إلى السور .
إذا هناك من الإعجاز العلمي التأمل في انتظام مجموع آياته تحت سورة بعينها .
أقرئي مقدمة التحرير والتنوير .
تقييد الإعجاز في القرآن بالسورة ( عشر سور ، سورة مثله ) إذا السور ينبغي أن تكون لها عناية .
قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " شيبتني هود وأخواتها "
إذا زاوية الانطلاق سورة فهذا المفهوم لا يؤخذ من آية واحدة .
أيضا فضائل السور مثل : الملك ، الكهف ، البقرة .
ما الذي في هذه السور بمجموعها ؟
أيضا السور المختارة لمناسبات معينة مثل فجر الجمعة والعيدين .
إذا من أوجه إعجاز القرآن التدبر الشمولي للسورة .
ونعرف المناسبات من خلال معرفة سبب النزول واسم السورة وفضلها ويتحرى فيه الأحاديث الصحيحة .
ثم تفسير إجمالي للآيات المقطع وهو وسيلة إظهار المعلومة ( أهم الهدايات والفوائد المستنبطة )
والفوائد ينبغي أن يرتقي فيها الباحث إلى فوائد أعمق فنريد من الباحث الوصول إلى المقاصد القرآنية .
المناسبات داخل السورة :
1/ بين المقاطع .
2/ رد العجز على الصدر ، وهو من سنن العرب ، غالبا ارتباط الآخر بالأول مترجم عن الوحدة الموضوعية .
أهم الوسائل التي توصل إلى معرفة الوحدة الموضوعية :
1/ دلالة اسم السورة والتأمل في اسمها لأنه يوصل في أحيان كثيرة .
تأصيل المسألة :
أسماء السور توقيفية وطالما أنه توقيفي ففيه حكمة ، وأما الأسماء الأخرى للسور فهي إما توقيفية وإما اجتهادية .
ماذا يقصد من اجتهد بوضع اسم اجتهادي للسورة ؟ هل يقصد تغيير الاسم التوقيفي ؟
بالطبع لا ، وهذا يدل على تبني السلف للوحدة الموضوعية لأنه غالبا ما يكون اشتقاقها من موضوع عام فهذا يعضد قولنا بالوحدة الموضوعية .
2/ من السنن التي جعلها الله في الأرض وضع الأسماء للأشياء ، وفيها مناسبة بين الاسم والمسمى .
قال تعالى : " وعلم آدم الأسماء كلها " أي : أسماء كل شيء .
وقد بوب البخاري لهذه الآية بـ باب الشفاعة بسب أنه عندما طلب أهل الموقف الشفاعة من آدم عليه السلام قالوا له : وعلمك أسماء كل شيء > فيما معناه .
أي شيء ورد في قصة آدم عليه السلام فهو فطرة للبشرية .
جعل الله سبحانه وتعالى في فطرة آدم القدرة على تسمية الأشياء وهذا يكون بالتعلم والرغبة في اكتشاف الشيء ، والقرآن الكريم لم يخرج عن هذه السنة حيث أن اسم السورة مرتبط بالمضمون .
وعندما نرجع إلى كتب علوم القرآن مبحث أسماء السور نجد سبب التسمية للسورة إما أن يكون بمناسبة أغرب قصة وردت مثل سورة البقرة ، أو الموضوع مثل سورة يوسف ، أو كلمة مثل سورة العنكبوت .
وهذه درجة من التدبر لكن هناك درجة أعمق ، فالاسم يرتبط مع موضوعات السورة كلها ، وعند التدبر في ربط المواضيع نجد أنها مترابطة .
أنواع تناسب أسماء السور مع المقصود :
نوع من السور اسمه مترجم عن المقصود لا نحتاج معه مزيد تكلف لمعرفة المناسبة .
ونوع من السور اسمه ليس هو الموضوع لكنه مرتبط به .
مثال على الاسم المترجم عن المقصود :
سورة الملك
موضوعها : شرح لصفة الملك لله عز وجل .
سواء مما نراه من آيات الكون أو الهدى والضلال ، واختتمت بأيسر أمر بين أيدينا وما أكثر أن نغفل عنه فلو أغار هذه المياه لما استطعنا الحصول على الماء فلفتنا إلى النظر إلى ملكية الله عز وجل والتي لو ربطناها مع فضل السورة وهو النجاة من فتنة القبر لو أننا استحضرنا معاني هذه السورة لازددنا إيمانا وأصبحنا من المفلحين .
مثال آخر :
سورة النور .
موضوع السورة بشكل عام : نور الله عز وجل في قلوب العباد .
وهناك من قال أن الوحدة الموضوعية لسورة النور أخلاقيات المجتمع لأن نصف السورة يناقشها إلى آية 34 .
بعدها جاءت آية النور وهي مثل نور الله عز وجل في قلوب عباده وأحوال الناس في فطرتهم " يكاد زيتها يضيء ..." ثم وسائل لاستجلاب ذلك النور " في بيوت أذن الله أن ترفع ... " ثم مثلين لظلام الكفر وطرق الضلال كلها وأثرها في النتائج ، ثم التأمل في المخلوقات وهي أسباب جالبة لنور الله عز وجل ثم ذكر المنافقين وعلاقته أن الله أنار قلوبهم حين أسلموا فأطفؤه بالكفر ، ثم عاد الحديث إلى أحكام الاستئذان ثم طاعة النبي صلى الله عليه وسلم .
نعود للنصف الأول ( الذي تناول أخلاقيات المجتمع ) :
لو استحضرنا حديث : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ... " حين ارتكاب النهي ينطفئ النور في القلب .
إذا المقطع الأول في السورة يشرح الضد في المقطع الثاني ، وأكثر شهوة يغيب عنها العقل هي شهوة الجنس ، فالشهوات مطفئة للنور .
فمقصد السورة : النور المستمد من الوحي كيف يستمد والأمور الجالبة له والمنافية عنه .
مثال على اسم سورة ليس هو الموضوع لكن له ارتباط به :
سورة الحجرات ، موضوعها لأول وهلة : الآداب .
أولا الأدب مع الله تعالى ثم مع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم الأدب بين المؤمنين عند الحضور وفي الغياب .
الرابط بين اسم السورة وموضوعها لأول تدبر أن الاسم ورد في السورة .
أما الموضوع الأعمق : الآداب المستقاة من بيت النبوة على صاحبه الصلاة والسلام ، فحجرات النبي صلى الله عليه وسلم هي التي شعت منها الآداب .
لو لم يظهر المعنى للباحث فلا يطلب منه التكلف لأن التكلف مذموم ، وإن لم ينكشف لنا موضوع السورة بهذه الوسيلة ننتقل إلى الوسيلة الثانية وهي :
2) المرحلة الزمنية التي نزلت فيها السورة :
تأصيل المسألة :
المكي والمدني أمر نقلي ولا يمكن أبدا معرفته بالعقل ، ابن عباس وجابر وقتادة رضي الله عنهم ثبتت عنهم روايات يرتبون فيها السور حسب النزول لا حسب الترتيب في المصحف وقد ذكرها البيهقي في دلائل النبوة وابن الضريس في دلائل القرآن .
متى يلجأ للعقل في تحديد زمن نزول السورة ؟
بعض السور وقع خلاف في تحديد نزولها ( مكي أو مدني ) وعند حصول الخلاف يرجع إلى الاجتهاد وهو قائم على النقل .
نظر العلماء إلى صفات غالبة وجامعة بين الموضوعات والخطابات في السور المتفق على مكيتها ومدنيتها ثم نظروا إلى السور المختلف فيها من خلالها .
أهم موضوعات المكي :
التوحيد ؛ فلا يخاطب المشرك بتفاصيل الأحكام ، ويرتبط مع إصلاح الاعتقاد الترغيب والترهيب ( الجنة والنار ) وقصص الأنبياء للتسلية والتثبيت .
أهم موضوعات المدني :
الأحكام
العلاقات الدولية ( الولاء والبراء ، الجهاد ، قضية النفاق ... )
وهذه كلها تشرح الحكمة من نزول القرآن منجما ، المكث مع السورة ومراعاة طبيعة المرحلة من أهم ما يوصل إلى معرفة موضوع السورة .
كيف نتعرف على الوحدة الموضوعية من خلال معرفة سبب النزول ؟
باستحضار موضوعات المكي والمدني أثناء استعراض قضايا السورة .
كلما ازداد اللبث مع السورة سنجد أن أحد الموضوعات هو الغالب وإن تعرضت السورة لجميع موضوعات المكي.
مثال سورة النمل :
سور ة مكية ، موضوعها :
الاستدلال بآيات الله تعالى للتعرف عليه سبحانه .
وقد ذكرت السورة آيات مألوفة وآيات غير مألوفة .
والآيات غير المألوفة مثل كلام النمل ، والغريب أن الإنسان سمع الخطاب .
خطابات القرآن تطلب منا محاسبة النفس ، أليس بوسعك النظر إلى آيات أعظم من كلام النملة ولكن لأن من طبيعة الإنسان الاعتياد على الشيء .
تناولت السورة في بدايتها وكذلك في نهايتها الآيات المتلوه والآيات المرئية .
ذكرت السورة العصا لما انقلبت إلى حية وهي الآيات التي أرسل بها موسى عليه الصلاة والسلام .
ثم قصة سليمان وهي أطول لأن فيها آيات غير مألوفة .
آية 59 أرجعك للآيات المألوفة فما بالك أيها المخاطب لا تنظر إليها ؟
كلنا نستطيع أن نزيد إيماننا بالنظر في آيات الله .
بعدها الحديث عن المخاطبين ( كفار قريش ) ، نهاية المقطع آية 80 ذكر أن الناس أمام الآيات صنفين :
من يتأمل في الآيات فهو مبصر حي .
ومن لا يتأمل فهو أعمى ميت ، فأنى تكون له الهداية .
وفي هذا عودة لأنفسنا ، نحن من أي فريق ؟
أيضا حتى في ذكر السورة لليوم الآخر ذكرت الدابة وذكرت الجبال التي تمر كمر السحاب !
النمل يرمز إلى عموم الموضوع وهي أنها آية غير مألوفة يستدل بها على ألوهية الله جل جلاله فما بالك بالآيات العظيمة المألوفة ؟
مثال على السورة المدنية :
سورة البقرة مدنية لكن هي من أي المدني أوله أم لا ؟
سورة البقرة مدنية من أوائل المدني وكونها مدنية من أوائل المدني لا يعني أنها نزلت كلها في الأول فآية " واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله " هي آخر آية نزلت على الصحيح من أقوال العلماء .
وعلمنا أنها من أوائل المدني لما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : " ما بنى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد نزلت سورة البقرة " ، ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى بها أول هجرته إلى المدينة .
ليس حكم في القرآن إلا وله ذكر في سورة البقرة إما مطول أو بإيجاز وإلماح لذا سماها بعض السلف فسطاط القرآن .
موضوعات السورة :
العناية بالصف الداخلي ويمثل ثلثي السورة .
وعلاقة العناية بالصف الداخلي مع الحديث المطول عن بني إسرائيل :
اختلاف العدو الذي يواجهه المسلمون ، حيث أنه حين انتقلوا إلى المدينة جاورا اليهود ولم لم يبصر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم لعاملهم كما عامل كفار قريش .
مراحل دعوة موسى عليه السلام مرحلتان :
الأولى : مع فرعون .
الثانية : مع بني إسرائيل .
وسورة البقرة تكلمت عن المرحلة الثانية .
اسم السورة : البقرة ، وهي قصة ورد فيها لا تتجاوز بضع آيات وتدل على أن طبيعة هؤلاء القوم أنهم لا يقبلون الحق بسهولة ، وأن الاستجابة عندهم أمر صعب .
آخر ما ورد في القصة هو الترتيب الزمني لحدوثها وهو أن هناك ميت من بني إسرائيل لا يعلم من قتله ... ثم الحوار .
لكن لأن الحوار هو الأهم قدم في الذكر ؛ ففي تسمية السورة بهذه القصة مع ذكر بني إسرائيل بيان أن بني إسرائيل من طبعهم صعوبة قبول الحق ، وبهذا بان لنا ارتباط الاسم بثلث السورة .
في الثلثين الباقيين كأنه خيف على الصف المسلم أن يكون مثل بني إسرائيل فقصة موسى عليه السلام مشابهة للحياة الدعوية الإسلامية من حيث مرورها بمرحلتين ضعف ثم قوة والضعف يتمثل في دعوة موسى عليه السلام لفرعون وبالمقابل دعوة المسلمين في قريش قبل الهجرة ، ومرحلة القوة وهي عند موسى عليه السلام مع قومه بعد نجاتهم من فرعون وبالمقابل علاقة الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة في المدينة ، ففي هذين الثلثين تحذير للصف المؤمن من أن يشابه بني إسرائيل وتربية له على قوة الامتثال والمسارعة للأوامر الشرعية .
إذا سورة البقرة تتحدث عن موضوعين رئيسيين وهما :
الحديث عن بني إسرائيل والأحكام ، وجمع بين هذين الموضوعين زمن النزول ، وهذا الفصل من باب التعليم ولا يقصد به الفصل الرياضي .
3) استعراض موضوعات السورة وإيجاد المناسبة بين الموضوعات .
وهذه السورة غالبا لا يخذل صاحبها لو أحسن نظم موضوعات السورة في المناسبات ، وفي هذه الوسيلة تتضح غالبا الأغراض الرئيسية ، مثال :
سورة المجادلة :
1ـ 4 حادثة خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها والتي نتج منها تشريع كفارة الظهار .
5ـ6 تابع للحادثة .
7 تحدثت عن علم الله عز وجل ، وكان هذا العلم موضح ومفسر بعلم الله بالمتناجي .
ثم آيات عن صف اليهود
ثم النجوى وإيغار الصدور
ثم الأمر بالتفسح في المجالس .
ثم عدم النجوى بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم
...
ثم حكم من أحكام الولاء والبراء
المناسبة بين هذه الموضوعات :
علم الله عز وجل آية (7) ، كثيرا ما تجدين آية مفصلية ، فبداية الآية وختامها وأثنائها في ضرب مثل دقيق ، وقد افتتحت السورة بالسمع واختتمت به .
إذا ارتباط السورة في طريق عرض الشكاية ووسيلة العرض شكاية قد تخفى ، والحديث في الوحدة الموضوعية أحيانا مباشر وأحيانا متفرع عن فرع مثل : النجوى فرع عن فرع وأصله مثل على دقة علم الله عز وجل فناسب أن امتداد الحديث بأحكام تفصيلية عن النجوى مع المنافقين والمؤمنين ومع الرسول صلى الله عليه وسلم وعلاقة الحديث عن المنافقين بالعلم أن النفاق أمر خفي والله عز وجل اطلع عليه وأطلع المؤمنين عليه ، وآخر آية تتناول أحكام الولاء والبراء والمودة هي خالص المحبة وهي في القلب ويطلع عليها الله جل جلاله .
وقد ظهرت أحكام الولاء والبراء الظاهرة في سورة الممتحنة .
وهناك من يقول أن الوحدة الموضوعية في سورة المجادلة هي النجوى لكثرة ورود الكلمة فيها والعلم فرع منها ، والقضية ليس معرفة القول الأفضل وإنما معرفة فقه السورة .
مثال :
سورة العنكبوت :
هي مكية وقد سماها ابن القيم سورة الابتلاء ، فهي سورة الفتن والابتلاءات والتنظير لها في فاتحة السورة والهدف الأساسي من الابتلاء التمييز ، والوسيلة للنجاة من الابتلاء آخر آية في السورة وما بينهما عرض لنماذج الابتلاءات .
دعوة نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عامة فيها فتنة التوقف عن الدعوة لأنه لم يسلم أحد .
فتنة أمر الوالدين بالمنكر .
ثم الأذى ثم فتنة غريبة على المؤمنين " اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم "
قصة لوط وشعيب عليهما السلام ومجادلة أهل الكتاب .
وجه ارتباط الاسم بالسورة :
العنكبوت هل لها ارتباط بقضية الابتلاء ؟
ارتباطها هو أن الإنسان يأوي إلى من يعصمه عن الابتلاء ، فالمؤمن يأوي إلى ربه ومن يأوي إلى الأمور الأخرى فهو كمثل العنكبوت عندما تأوي إلى البيت وهي تحسب أنها تتقوى به ، فهذا تنظير لوسيلة النجاة من الابتلاءات ، هل تكونين مثل العنكبوت تأوي إلى هاوٍ أو من المؤمنين الذين يلجأوون إلى الله جل جلاله .
فهذه أربعة وسائل يتنقل بينها الباحث ، وإذا تعامل مع السورة بالنظرة الكلية ينكشف له من أسرار السورة مالا ينكشف له بالتفسير التحليلي وحده .
هذا ما يسر الله كتابته وأعان عليها فله الحمد وحده ونسأله أن يجله علما نافعا وأن يجعل القرآن لنا شاهدا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته ومن اقتفى أثره واتبع هداه والحمد لله رب العالمين .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
التفسير الموضوعي للسور القرآنية :
زاوية الانطلاق : السورة .
الهدف : استخراج الوحدة الموضوعية .
عند إطالة اللبث والتأمل في السورة ستجدين أن موضوعاتها تدور حول موضوع واحد وغيره من المواضيع فهو لخدمة الموضوع الرئيسي .
1) موضوع المناسبات :
نطلب مناسبات لأن ترتيب المصحف ليس على ترتيب النزول وهو توقفي ، طالما أن الترتيب ليس كما نزل ورتب هكذا لحكمة ينبغي أن نقف عندها ونتدبرها .
الجديد في التفسير الموضوعي : جمعه لأكثر من علم .
التفسير الموضوعي قائم على المناسبات .
كمنهجية في التفسير لم ائت بجديد ثم إن التحدي في القرآن اتجه إلى السور .
إذا هناك من الإعجاز العلمي التأمل في انتظام مجموع آياته تحت سورة بعينها .
أقرئي مقدمة التحرير والتنوير .
تقييد الإعجاز في القرآن بالسورة ( عشر سور ، سورة مثله ) إذا السور ينبغي أن تكون لها عناية .
قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " شيبتني هود وأخواتها "
إذا زاوية الانطلاق سورة فهذا المفهوم لا يؤخذ من آية واحدة .
أيضا فضائل السور مثل : الملك ، الكهف ، البقرة .
ما الذي في هذه السور بمجموعها ؟
أيضا السور المختارة لمناسبات معينة مثل فجر الجمعة والعيدين .
إذا من أوجه إعجاز القرآن التدبر الشمولي للسورة .
ونعرف المناسبات من خلال معرفة سبب النزول واسم السورة وفضلها ويتحرى فيه الأحاديث الصحيحة .
ثم تفسير إجمالي للآيات المقطع وهو وسيلة إظهار المعلومة ( أهم الهدايات والفوائد المستنبطة )
والفوائد ينبغي أن يرتقي فيها الباحث إلى فوائد أعمق فنريد من الباحث الوصول إلى المقاصد القرآنية .
المناسبات داخل السورة :
1/ بين المقاطع .
2/ رد العجز على الصدر ، وهو من سنن العرب ، غالبا ارتباط الآخر بالأول مترجم عن الوحدة الموضوعية .
أهم الوسائل التي توصل إلى معرفة الوحدة الموضوعية :
1/ دلالة اسم السورة والتأمل في اسمها لأنه يوصل في أحيان كثيرة .
تأصيل المسألة :
أسماء السور توقيفية وطالما أنه توقيفي ففيه حكمة ، وأما الأسماء الأخرى للسور فهي إما توقيفية وإما اجتهادية .
ماذا يقصد من اجتهد بوضع اسم اجتهادي للسورة ؟ هل يقصد تغيير الاسم التوقيفي ؟
بالطبع لا ، وهذا يدل على تبني السلف للوحدة الموضوعية لأنه غالبا ما يكون اشتقاقها من موضوع عام فهذا يعضد قولنا بالوحدة الموضوعية .
2/ من السنن التي جعلها الله في الأرض وضع الأسماء للأشياء ، وفيها مناسبة بين الاسم والمسمى .
قال تعالى : " وعلم آدم الأسماء كلها " أي : أسماء كل شيء .
وقد بوب البخاري لهذه الآية بـ باب الشفاعة بسب أنه عندما طلب أهل الموقف الشفاعة من آدم عليه السلام قالوا له : وعلمك أسماء كل شيء > فيما معناه .
أي شيء ورد في قصة آدم عليه السلام فهو فطرة للبشرية .
جعل الله سبحانه وتعالى في فطرة آدم القدرة على تسمية الأشياء وهذا يكون بالتعلم والرغبة في اكتشاف الشيء ، والقرآن الكريم لم يخرج عن هذه السنة حيث أن اسم السورة مرتبط بالمضمون .
وعندما نرجع إلى كتب علوم القرآن مبحث أسماء السور نجد سبب التسمية للسورة إما أن يكون بمناسبة أغرب قصة وردت مثل سورة البقرة ، أو الموضوع مثل سورة يوسف ، أو كلمة مثل سورة العنكبوت .
وهذه درجة من التدبر لكن هناك درجة أعمق ، فالاسم يرتبط مع موضوعات السورة كلها ، وعند التدبر في ربط المواضيع نجد أنها مترابطة .
أنواع تناسب أسماء السور مع المقصود :
نوع من السور اسمه مترجم عن المقصود لا نحتاج معه مزيد تكلف لمعرفة المناسبة .
ونوع من السور اسمه ليس هو الموضوع لكنه مرتبط به .
مثال على الاسم المترجم عن المقصود :
سورة الملك
موضوعها : شرح لصفة الملك لله عز وجل .
سواء مما نراه من آيات الكون أو الهدى والضلال ، واختتمت بأيسر أمر بين أيدينا وما أكثر أن نغفل عنه فلو أغار هذه المياه لما استطعنا الحصول على الماء فلفتنا إلى النظر إلى ملكية الله عز وجل والتي لو ربطناها مع فضل السورة وهو النجاة من فتنة القبر لو أننا استحضرنا معاني هذه السورة لازددنا إيمانا وأصبحنا من المفلحين .
مثال آخر :
سورة النور .
موضوع السورة بشكل عام : نور الله عز وجل في قلوب العباد .
وهناك من قال أن الوحدة الموضوعية لسورة النور أخلاقيات المجتمع لأن نصف السورة يناقشها إلى آية 34 .
بعدها جاءت آية النور وهي مثل نور الله عز وجل في قلوب عباده وأحوال الناس في فطرتهم " يكاد زيتها يضيء ..." ثم وسائل لاستجلاب ذلك النور " في بيوت أذن الله أن ترفع ... " ثم مثلين لظلام الكفر وطرق الضلال كلها وأثرها في النتائج ، ثم التأمل في المخلوقات وهي أسباب جالبة لنور الله عز وجل ثم ذكر المنافقين وعلاقته أن الله أنار قلوبهم حين أسلموا فأطفؤه بالكفر ، ثم عاد الحديث إلى أحكام الاستئذان ثم طاعة النبي صلى الله عليه وسلم .
نعود للنصف الأول ( الذي تناول أخلاقيات المجتمع ) :
لو استحضرنا حديث : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ... " حين ارتكاب النهي ينطفئ النور في القلب .
إذا المقطع الأول في السورة يشرح الضد في المقطع الثاني ، وأكثر شهوة يغيب عنها العقل هي شهوة الجنس ، فالشهوات مطفئة للنور .
فمقصد السورة : النور المستمد من الوحي كيف يستمد والأمور الجالبة له والمنافية عنه .
مثال على اسم سورة ليس هو الموضوع لكن له ارتباط به :
سورة الحجرات ، موضوعها لأول وهلة : الآداب .
أولا الأدب مع الله تعالى ثم مع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم الأدب بين المؤمنين عند الحضور وفي الغياب .
الرابط بين اسم السورة وموضوعها لأول تدبر أن الاسم ورد في السورة .
أما الموضوع الأعمق : الآداب المستقاة من بيت النبوة على صاحبه الصلاة والسلام ، فحجرات النبي صلى الله عليه وسلم هي التي شعت منها الآداب .
لو لم يظهر المعنى للباحث فلا يطلب منه التكلف لأن التكلف مذموم ، وإن لم ينكشف لنا موضوع السورة بهذه الوسيلة ننتقل إلى الوسيلة الثانية وهي :
2) المرحلة الزمنية التي نزلت فيها السورة :
تأصيل المسألة :
المكي والمدني أمر نقلي ولا يمكن أبدا معرفته بالعقل ، ابن عباس وجابر وقتادة رضي الله عنهم ثبتت عنهم روايات يرتبون فيها السور حسب النزول لا حسب الترتيب في المصحف وقد ذكرها البيهقي في دلائل النبوة وابن الضريس في دلائل القرآن .
متى يلجأ للعقل في تحديد زمن نزول السورة ؟
بعض السور وقع خلاف في تحديد نزولها ( مكي أو مدني ) وعند حصول الخلاف يرجع إلى الاجتهاد وهو قائم على النقل .
نظر العلماء إلى صفات غالبة وجامعة بين الموضوعات والخطابات في السور المتفق على مكيتها ومدنيتها ثم نظروا إلى السور المختلف فيها من خلالها .
أهم موضوعات المكي :
التوحيد ؛ فلا يخاطب المشرك بتفاصيل الأحكام ، ويرتبط مع إصلاح الاعتقاد الترغيب والترهيب ( الجنة والنار ) وقصص الأنبياء للتسلية والتثبيت .
أهم موضوعات المدني :
الأحكام
العلاقات الدولية ( الولاء والبراء ، الجهاد ، قضية النفاق ... )
وهذه كلها تشرح الحكمة من نزول القرآن منجما ، المكث مع السورة ومراعاة طبيعة المرحلة من أهم ما يوصل إلى معرفة موضوع السورة .
كيف نتعرف على الوحدة الموضوعية من خلال معرفة سبب النزول ؟
باستحضار موضوعات المكي والمدني أثناء استعراض قضايا السورة .
كلما ازداد اللبث مع السورة سنجد أن أحد الموضوعات هو الغالب وإن تعرضت السورة لجميع موضوعات المكي.
مثال سورة النمل :
سور ة مكية ، موضوعها :
الاستدلال بآيات الله تعالى للتعرف عليه سبحانه .
وقد ذكرت السورة آيات مألوفة وآيات غير مألوفة .
والآيات غير المألوفة مثل كلام النمل ، والغريب أن الإنسان سمع الخطاب .
خطابات القرآن تطلب منا محاسبة النفس ، أليس بوسعك النظر إلى آيات أعظم من كلام النملة ولكن لأن من طبيعة الإنسان الاعتياد على الشيء .
تناولت السورة في بدايتها وكذلك في نهايتها الآيات المتلوه والآيات المرئية .
ذكرت السورة العصا لما انقلبت إلى حية وهي الآيات التي أرسل بها موسى عليه الصلاة والسلام .
ثم قصة سليمان وهي أطول لأن فيها آيات غير مألوفة .
آية 59 أرجعك للآيات المألوفة فما بالك أيها المخاطب لا تنظر إليها ؟
كلنا نستطيع أن نزيد إيماننا بالنظر في آيات الله .
بعدها الحديث عن المخاطبين ( كفار قريش ) ، نهاية المقطع آية 80 ذكر أن الناس أمام الآيات صنفين :
من يتأمل في الآيات فهو مبصر حي .
ومن لا يتأمل فهو أعمى ميت ، فأنى تكون له الهداية .
وفي هذا عودة لأنفسنا ، نحن من أي فريق ؟
أيضا حتى في ذكر السورة لليوم الآخر ذكرت الدابة وذكرت الجبال التي تمر كمر السحاب !
النمل يرمز إلى عموم الموضوع وهي أنها آية غير مألوفة يستدل بها على ألوهية الله جل جلاله فما بالك بالآيات العظيمة المألوفة ؟
مثال على السورة المدنية :
سورة البقرة مدنية لكن هي من أي المدني أوله أم لا ؟
سورة البقرة مدنية من أوائل المدني وكونها مدنية من أوائل المدني لا يعني أنها نزلت كلها في الأول فآية " واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله " هي آخر آية نزلت على الصحيح من أقوال العلماء .
وعلمنا أنها من أوائل المدني لما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : " ما بنى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد نزلت سورة البقرة " ، ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى بها أول هجرته إلى المدينة .
ليس حكم في القرآن إلا وله ذكر في سورة البقرة إما مطول أو بإيجاز وإلماح لذا سماها بعض السلف فسطاط القرآن .
موضوعات السورة :
العناية بالصف الداخلي ويمثل ثلثي السورة .
وعلاقة العناية بالصف الداخلي مع الحديث المطول عن بني إسرائيل :
اختلاف العدو الذي يواجهه المسلمون ، حيث أنه حين انتقلوا إلى المدينة جاورا اليهود ولم لم يبصر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم لعاملهم كما عامل كفار قريش .
مراحل دعوة موسى عليه السلام مرحلتان :
الأولى : مع فرعون .
الثانية : مع بني إسرائيل .
وسورة البقرة تكلمت عن المرحلة الثانية .
اسم السورة : البقرة ، وهي قصة ورد فيها لا تتجاوز بضع آيات وتدل على أن طبيعة هؤلاء القوم أنهم لا يقبلون الحق بسهولة ، وأن الاستجابة عندهم أمر صعب .
آخر ما ورد في القصة هو الترتيب الزمني لحدوثها وهو أن هناك ميت من بني إسرائيل لا يعلم من قتله ... ثم الحوار .
لكن لأن الحوار هو الأهم قدم في الذكر ؛ ففي تسمية السورة بهذه القصة مع ذكر بني إسرائيل بيان أن بني إسرائيل من طبعهم صعوبة قبول الحق ، وبهذا بان لنا ارتباط الاسم بثلث السورة .
في الثلثين الباقيين كأنه خيف على الصف المسلم أن يكون مثل بني إسرائيل فقصة موسى عليه السلام مشابهة للحياة الدعوية الإسلامية من حيث مرورها بمرحلتين ضعف ثم قوة والضعف يتمثل في دعوة موسى عليه السلام لفرعون وبالمقابل دعوة المسلمين في قريش قبل الهجرة ، ومرحلة القوة وهي عند موسى عليه السلام مع قومه بعد نجاتهم من فرعون وبالمقابل علاقة الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة في المدينة ، ففي هذين الثلثين تحذير للصف المؤمن من أن يشابه بني إسرائيل وتربية له على قوة الامتثال والمسارعة للأوامر الشرعية .
إذا سورة البقرة تتحدث عن موضوعين رئيسيين وهما :
الحديث عن بني إسرائيل والأحكام ، وجمع بين هذين الموضوعين زمن النزول ، وهذا الفصل من باب التعليم ولا يقصد به الفصل الرياضي .
3) استعراض موضوعات السورة وإيجاد المناسبة بين الموضوعات .
وهذه السورة غالبا لا يخذل صاحبها لو أحسن نظم موضوعات السورة في المناسبات ، وفي هذه الوسيلة تتضح غالبا الأغراض الرئيسية ، مثال :
سورة المجادلة :
1ـ 4 حادثة خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها والتي نتج منها تشريع كفارة الظهار .
5ـ6 تابع للحادثة .
7 تحدثت عن علم الله عز وجل ، وكان هذا العلم موضح ومفسر بعلم الله بالمتناجي .
ثم آيات عن صف اليهود
ثم النجوى وإيغار الصدور
ثم الأمر بالتفسح في المجالس .
ثم عدم النجوى بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم
...
ثم حكم من أحكام الولاء والبراء
المناسبة بين هذه الموضوعات :
علم الله عز وجل آية (7) ، كثيرا ما تجدين آية مفصلية ، فبداية الآية وختامها وأثنائها في ضرب مثل دقيق ، وقد افتتحت السورة بالسمع واختتمت به .
إذا ارتباط السورة في طريق عرض الشكاية ووسيلة العرض شكاية قد تخفى ، والحديث في الوحدة الموضوعية أحيانا مباشر وأحيانا متفرع عن فرع مثل : النجوى فرع عن فرع وأصله مثل على دقة علم الله عز وجل فناسب أن امتداد الحديث بأحكام تفصيلية عن النجوى مع المنافقين والمؤمنين ومع الرسول صلى الله عليه وسلم وعلاقة الحديث عن المنافقين بالعلم أن النفاق أمر خفي والله عز وجل اطلع عليه وأطلع المؤمنين عليه ، وآخر آية تتناول أحكام الولاء والبراء والمودة هي خالص المحبة وهي في القلب ويطلع عليها الله جل جلاله .
وقد ظهرت أحكام الولاء والبراء الظاهرة في سورة الممتحنة .
وهناك من يقول أن الوحدة الموضوعية في سورة المجادلة هي النجوى لكثرة ورود الكلمة فيها والعلم فرع منها ، والقضية ليس معرفة القول الأفضل وإنما معرفة فقه السورة .
مثال :
سورة العنكبوت :
هي مكية وقد سماها ابن القيم سورة الابتلاء ، فهي سورة الفتن والابتلاءات والتنظير لها في فاتحة السورة والهدف الأساسي من الابتلاء التمييز ، والوسيلة للنجاة من الابتلاء آخر آية في السورة وما بينهما عرض لنماذج الابتلاءات .
دعوة نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عامة فيها فتنة التوقف عن الدعوة لأنه لم يسلم أحد .
فتنة أمر الوالدين بالمنكر .
ثم الأذى ثم فتنة غريبة على المؤمنين " اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم "
قصة لوط وشعيب عليهما السلام ومجادلة أهل الكتاب .
وجه ارتباط الاسم بالسورة :
العنكبوت هل لها ارتباط بقضية الابتلاء ؟
ارتباطها هو أن الإنسان يأوي إلى من يعصمه عن الابتلاء ، فالمؤمن يأوي إلى ربه ومن يأوي إلى الأمور الأخرى فهو كمثل العنكبوت عندما تأوي إلى البيت وهي تحسب أنها تتقوى به ، فهذا تنظير لوسيلة النجاة من الابتلاءات ، هل تكونين مثل العنكبوت تأوي إلى هاوٍ أو من المؤمنين الذين يلجأوون إلى الله جل جلاله .
فهذه أربعة وسائل يتنقل بينها الباحث ، وإذا تعامل مع السورة بالنظرة الكلية ينكشف له من أسرار السورة مالا ينكشف له بالتفسير التحليلي وحده .
هذا ما يسر الله كتابته وأعان عليها فله الحمد وحده ونسأله أن يجله علما نافعا وأن يجعل القرآن لنا شاهدا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته ومن اقتفى أثره واتبع هداه والحمد لله رب العالمين .