بسم الله الرحمن الرحيم
هذا البحث هو البحث المختار للاختبار ..
تعريف الالتفات :
حقيقته مأخوذة من التفات الإنسان عن يمينه وشماله، فهو يقبل بوجهه تارة كذا وتارة كذا، وكذلك يكون هذا النوع من الكلام خاصة، لأنه ينتقل فيه عن صيغة،كالانتقال من خطاب حاضر إلى غائب، أو من خطاب غائب إلى حاضر.أو من فعل ماض إلى مستقبل، أو من مستقبل إلى ماض.
وأيضاً:
الالتفات لغة:
الالتفات من الفعل (لفت) وهو بمعنى اللّيّ وصرف الشيء عن جهته, يقول صاحب لسان العرب: لفت وجهه عن القوم: صرفه, وتلفت إلى الشيء والتفت إليه: صرف وجهه إليه، واللفت ليّ الشيء عن جهته.
الالتفات عند البلاغيين:
هو الانتقال بالأسلوب من صيغة التكلم أو الخطاب أو الغيبة إلى صيغة أخرى من هذه الصيغ, بشرط أن يكون الضمير في المنتقل إليه عائداً في نفس الأمر إلى الملتفت عنه, بمعنى أن يعود الضمير الثاني على نفس الشيء الذي عاد إليه الضمير الأول, فمثلاً قولك:
(أكرم محمداً وأرفق به) ليس من الالتفات؛ فالضمير الأول في (أكرم) للمخاطب أي:
أنت, والضمير الثاني للغائب, ففيه انتقال من ضمير المخاطب إلى ضمير الغائب, ومع ذلك لا يسمى التفاتاً؛ لأن الضميرين ليسا لشخص واحد, فالأول للمخاطب والثاني لمحمد.
ويسمى أيضاً ( شجاعة العربية ) وإنما سمي بذلك لأن الشجاعة هي الإقدام وذاك أن الرجل الشجاع يركب مالا يستطيعه غيره ... وكذلك هذا الالتفات في الكلام فإن اللغة العربية تختص به دون غيرها من اللغات.
فوائد الالتفات:
للالتفات فوائد عامة وخاصة، فمن العامة التفنن والانتقال من أسلوب إلى آخر لما في ذلك من تنشيط السامع( ).
ومنها تطرية الكلام، وصيانة السمع عن الضجر والملال لما جبلت عليه النفوس من حب التنقلات والسآمة من الاستمرار علم منوال واحد وهذه فائدته العامة( ).
وأما الفوائد الخاصة فتختلف محاله ومواقع الكلام فيه على ما يقصده المتكلم( ).
قال السيوطي: ويختص كل موضع بنكت ولطائف باختلاف محله( ).
ومن هذه الفوائد الخاصة( ) ما يلي:
1 - قصد تعظيم شأن المخاطب، ومن هذا ما ذكره المفسرون في سورة الفاتحة من تفصيل وبيان أوجه التعظيم من خلال أسلوب الالتفات في الآيات.
2 - التنبيه على ما حق الكلام أن يكون وارداً .
3 - أن يكون الغرض به التتميم لمعنى مقصود للمتكلم فيأتي به محافظة على تتميم ما قصد إليه من المعنى المطلوب له .
4 - قصد المبالغة .
5 - قصد الدلالة على الاختصاص.
6 - قصد الاهتمام .
7 - قصد التوبيخ.
أقوال العلماء فيه :
قال الزمخشري رحمه الله:إن الرجوع من الغيبة إلى الخطاب إنما يستعمل للتفنن في الكلام، والانتقال من أسلوب إلى أسلوب،تطرية لنشاط السامع،وإيقاظا للإصغاء إليه.
رد عليه ابن الأثير في كتابه المثل السائر :
ليس الأمر كما ذكره، لأن الانتقال في الكلام من أسلوب إلى أسلوب إذا لم يكن إلا تطرية لنشاط السامع وإيقاظا للإصغاء إليه، فإن ذلك دليل على أن السامع يمل من أسلوب واحد فينتقل إلى غيره ليجد نشاطاً للاستماع، وهذا قدح في الكلام، لا وصف له،لأنه لو كان حسنا لما مل، ولو سلمنا إلى الزمخشري ما ذهب إليه لكان إنما يوجد ذلك في الكلام المطول، ونحن نرى الأمر بخلاف ذلك، لأنه قد ورد الانتقال من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، ويكون مجموع الجانبين مما يبلغ عشرة ألفاظ، أو أقل من ذلك، ومفهوم قول الزمخشري في الانتقال من أسلوب إلى أسلوب إنما يستعمل قصداً للمخالفة بين المنتقل عنه والمنتقل إليه، لا قصداً لاستعمال الأحسن، وعلى هذا فإذا وجدنا كلاما قد استعمل في جميعه الإيجاز ولم ينتقل عنه،أو استعمل فيه جميعه الإطناب ولم ينتقل عنه، وكان كلا الطرفين واقعا في موقعه، قلنا هذا ليس بحسن، إذ لم ينتقل فيه من أسلوب إلى أسلوب، وهذا القول فيه ما فيه، وما أعلم كيف ذهب على مثل الزمخشري مع معرفته بفن الفصاحة والبلاغة.
والذي عندي في ذلك أن الانتقال من الخطاب إلى الغيبة أو من الغيبة إلى الخطاب، لا يكون إلا لفائدة اقتضته، وتلك لفائدة أمر وراء الانتقال من أسلوب إلى أسلوب، غير أنها لا تحد بحد، ولا تضبط بضابط.
وقال ابن عاشور: وهو بمجرده معدود من الفصاحة، وسماه ابن جني شجاعة العربية لأن ذلك التغيير يجدد نشاط السامع، فإذا انضم إليه اعتبار لطيـف يناسب وقال : وكذلك الإكثار من أسلوب الالتفات المعدود من أعظم أساليب التفنن عند بلغاء العربية فهو في القرآن كثير ثم الرجوع إلى المقصود فيكون السامعون في نشاط متجدد بسماعه، وإقبالهم عليه، ومن أبدع الأمثلة الآيات في (البقرة17-20) .
وقال ابن الأثير الجزري( ): "وهذا النوع وما يليه( ) من خلاصة علم البيان التي حولها يدندن وإليها تستند البلاغة وعنها يعنعن... ويسمى أيضاً شجاعة العربية وإنما تسمى بذلك لأن الشجاعة هي الإقدام وذاك أن الرجل الشجاع يركب ما لا يستطيعه غيره ويتورد ما لا يتورده سواه وكذلك الالتفات في الكلام فإن اللغة العربية تختص به دون غيرها من اللغات( ).
وقد اهتم بعض المفسرين اهتماماً خاصاً في تجليته من خلال التفسير كما فعل الزمخشري في تفسيره الكشاف والقاضي أبو السعود في تفسيره إرشاد العقل السليم، والألوسي في تفسيره روح المعاني والطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير وغيرهم.
أقسامه:
ينقسم الالتفات إلى أقسام هي:
1- الالتفات من التكلم إلى الخطاب, كقوله تعالى: ﴿وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾[يس: 22], والأصل: وإليه أرجع, فالتفت من التكلم إلى الخطاب.
2- الالتفات من التكلم إلى الغيبة, كقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾[ الكوثر: 1-2], حيث لم يقل: فصللنا.
3- الالتفات من الخطاب إلى التكلم, كقوله تعالى: ﴿قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ﴾[ يونس: 21], على أنه سبحانه نزل نفسه منزلة المخاطب, فالضمير في (قل) للمخاطب, وفي (رسلنا) للمتكلم .
4- الالتفات من الخطاب إلى الغيبة, كقوله تعالى: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ *يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَاب﴾[الزخرف:70-71], فانتقل من الخطاب إلى الغيبة, ولم يقل: يطاف عليكم.
5- الالتفات من الغيبة إلى التكلم, كقوله تعالى: ﴿وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً﴾[ فصلت: 12], فانتقل من الغيبة إلى التكلم, ولم يقل: وزين.
6- الالتفات من الغيبة إلى الخطاب, كقوله تعالى: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء﴾[ الإنسان: 21-22], ولم يقل: كان لهم.
و ذهب الزركشي إلى تقسيم الالتفات إلى سبعة أقسام وهي( ):
1 - الالتفات من التكلم إلى الخطاب.
2 - الالتفات من التكلم إلى الغيبة.
3 - الالتفات من الخطاب إلى التكلم.
4 - الالتفات من الخطاب إلى الغيبة.
5 - الالتفات من الغيبة إلى التكلم.
6 - الالتفات من الغيبة إلى الخطاب.
7 - بناء الفعل للمفعول بعد خطاب فاعله أو تكلمه.
وكذلك ذكر هذه الأقسام السيوطي في الإتقان( ). ومما يقرب من الالتفات الانتقال من خطاب الواحد والاثنين والجمع إلى خطاب آخر وهو ستة أقسام( ):
أحدها: الانتقال من خطاب الواحد لخطاب الاثنين.
الثاني: من خطاب الواحد إلى خطاب الجمع.
الثالث: من الاثنين إلى الواحد.
الرابع: من الاثنين إلى الجمع.
الخامس: من الجمع إلى الواحد.
السادس: من الجمع إلى التثنية.
ومما يقرب من الالتفات أيضاً( ) الانتقال من الماضي أو المضارع أو الأمر إلى آخر، من الماضي إلى الأمر، ومن المستقبل إلى الأمر، ومن الماضي إلى المستقبل، ومن المستقبل إلى الماضي.
*القراءات المندرجة تحت القاعدة وتوجيهها :
1 / قال تعالى : " وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) "
ـ الغيب حكاية عن بني إسرائيل ، وأن تكون مصدرية مجرورة بلام مقدرة .
والمعنى : لئلا يتخذوا من دوني وكيلا . ففيه استحضار معنى الحكاية [ لا ذكرها كما قيلت ].
ـ الخطاب وهو الأصل في حكاية الأقوال ، وأن هنا تفسيرية لما تضمنه الكتاب ، واقتصر على ذكر التوحيد [ ضد الشرك ] لأنه أهم شيء في الرسالة .
2 /قال تعالى : " وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33) "
ـ الخطاب ( تسرف ): للنبي صلى الله عليه وسلم والولاة من بعده.
في الجاهلية إذا قتل القاتل يقتلون الرجل الموازي له في المكانة ؛ لأن القاتل قد لا يوازي المقتول قدرا ، أو أنهم يرون أن دية مقتولهم 10 من القبيلة الثانية أو أكثر . وهذا موجود في بعض الدول العربية الآن .
لذا قال : " فلا تسرف في القتل " لا يذهب لغيره أو يقتل بواحد أكثر منه ، والمعنى : فلا تقتل بالمقتول ظلما غير قاتله.
ـ الغيب ( يسرف ) : في الفاعل قولان :
أ/ ولي المقتول (عامة الناس) .
ب/ الولي ( ولي الأمر ) ، وعلى هذا يكون الفاعل في القراءتين واحد فتدخل الآية على هذا الوجه في قاعدة الالتفات .
*قاعدة الالتفات : الالتفات وجه بلاغي ، إذا تغير الفاعل يخرج من قاعدة الالتفات ويدخل في قاعدة اختلاف الفاعل ، لأن تغير الفاعل يغير معنى الآية والالتفات وجه بلاغي لا يدخل في معنى الآية والأصل فيه :ه تطريب إذن السامع ولا يخلو من فوائد أخرى تكون على حسب سياق الآية .
3 / قال تعالى :" سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43) "
في الآية قراءتان :
ـ يقولون/ غيب وفيه مراعاة للسياق .
ـ تقولون/ خطاب ، وأفاد الالتفات لأن الذين يتكلم عنهم قوم غُيَب .وهو على الأصل في الحكاية
وهنا قاعدة الالتفات .
4/ (ولايشرك)
_ (ولا تُشركْ) بالجزم وتاء الخطاب لابن عامر. لا: ناهيه ،
وتشرك: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ويشمل أمته فهو نهي للنبي وأمته.
_ (ولايشركُ): الباقون ضد الخطاب الغيب وضد الجزم الرفع لا: نافيه والفعل مرفوع ،
تشرك:خبر وليس إنشاء أي: أخبر أنه لايشرك في حكمه أحدا (الله لايشرك في حكمه أحد).
5 / ( يبصروا به )
1 / يبصروا :ـ بالغيب أي : قوم موسى . الياء رفع لضمير الغائب .
2 / تبصروا :ـ بالخطاب : لموسى ومن معه .
(تــــــــــــــــــــــم بحمــــــــــد اللــــــــــــــــــه)
هذا البحث هو البحث المختار للاختبار ..
تعريف الالتفات :
حقيقته مأخوذة من التفات الإنسان عن يمينه وشماله، فهو يقبل بوجهه تارة كذا وتارة كذا، وكذلك يكون هذا النوع من الكلام خاصة، لأنه ينتقل فيه عن صيغة،كالانتقال من خطاب حاضر إلى غائب، أو من خطاب غائب إلى حاضر.أو من فعل ماض إلى مستقبل، أو من مستقبل إلى ماض.
وأيضاً:
الالتفات لغة:
الالتفات من الفعل (لفت) وهو بمعنى اللّيّ وصرف الشيء عن جهته, يقول صاحب لسان العرب: لفت وجهه عن القوم: صرفه, وتلفت إلى الشيء والتفت إليه: صرف وجهه إليه، واللفت ليّ الشيء عن جهته.
الالتفات عند البلاغيين:
هو الانتقال بالأسلوب من صيغة التكلم أو الخطاب أو الغيبة إلى صيغة أخرى من هذه الصيغ, بشرط أن يكون الضمير في المنتقل إليه عائداً في نفس الأمر إلى الملتفت عنه, بمعنى أن يعود الضمير الثاني على نفس الشيء الذي عاد إليه الضمير الأول, فمثلاً قولك:
(أكرم محمداً وأرفق به) ليس من الالتفات؛ فالضمير الأول في (أكرم) للمخاطب أي:
أنت, والضمير الثاني للغائب, ففيه انتقال من ضمير المخاطب إلى ضمير الغائب, ومع ذلك لا يسمى التفاتاً؛ لأن الضميرين ليسا لشخص واحد, فالأول للمخاطب والثاني لمحمد.
ويسمى أيضاً ( شجاعة العربية ) وإنما سمي بذلك لأن الشجاعة هي الإقدام وذاك أن الرجل الشجاع يركب مالا يستطيعه غيره ... وكذلك هذا الالتفات في الكلام فإن اللغة العربية تختص به دون غيرها من اللغات.
فوائد الالتفات:
للالتفات فوائد عامة وخاصة، فمن العامة التفنن والانتقال من أسلوب إلى آخر لما في ذلك من تنشيط السامع( ).
ومنها تطرية الكلام، وصيانة السمع عن الضجر والملال لما جبلت عليه النفوس من حب التنقلات والسآمة من الاستمرار علم منوال واحد وهذه فائدته العامة( ).
وأما الفوائد الخاصة فتختلف محاله ومواقع الكلام فيه على ما يقصده المتكلم( ).
قال السيوطي: ويختص كل موضع بنكت ولطائف باختلاف محله( ).
ومن هذه الفوائد الخاصة( ) ما يلي:
1 - قصد تعظيم شأن المخاطب، ومن هذا ما ذكره المفسرون في سورة الفاتحة من تفصيل وبيان أوجه التعظيم من خلال أسلوب الالتفات في الآيات.
2 - التنبيه على ما حق الكلام أن يكون وارداً .
3 - أن يكون الغرض به التتميم لمعنى مقصود للمتكلم فيأتي به محافظة على تتميم ما قصد إليه من المعنى المطلوب له .
4 - قصد المبالغة .
5 - قصد الدلالة على الاختصاص.
6 - قصد الاهتمام .
7 - قصد التوبيخ.
أقوال العلماء فيه :
قال الزمخشري رحمه الله:إن الرجوع من الغيبة إلى الخطاب إنما يستعمل للتفنن في الكلام، والانتقال من أسلوب إلى أسلوب،تطرية لنشاط السامع،وإيقاظا للإصغاء إليه.
رد عليه ابن الأثير في كتابه المثل السائر :
ليس الأمر كما ذكره، لأن الانتقال في الكلام من أسلوب إلى أسلوب إذا لم يكن إلا تطرية لنشاط السامع وإيقاظا للإصغاء إليه، فإن ذلك دليل على أن السامع يمل من أسلوب واحد فينتقل إلى غيره ليجد نشاطاً للاستماع، وهذا قدح في الكلام، لا وصف له،لأنه لو كان حسنا لما مل، ولو سلمنا إلى الزمخشري ما ذهب إليه لكان إنما يوجد ذلك في الكلام المطول، ونحن نرى الأمر بخلاف ذلك، لأنه قد ورد الانتقال من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، ويكون مجموع الجانبين مما يبلغ عشرة ألفاظ، أو أقل من ذلك، ومفهوم قول الزمخشري في الانتقال من أسلوب إلى أسلوب إنما يستعمل قصداً للمخالفة بين المنتقل عنه والمنتقل إليه، لا قصداً لاستعمال الأحسن، وعلى هذا فإذا وجدنا كلاما قد استعمل في جميعه الإيجاز ولم ينتقل عنه،أو استعمل فيه جميعه الإطناب ولم ينتقل عنه، وكان كلا الطرفين واقعا في موقعه، قلنا هذا ليس بحسن، إذ لم ينتقل فيه من أسلوب إلى أسلوب، وهذا القول فيه ما فيه، وما أعلم كيف ذهب على مثل الزمخشري مع معرفته بفن الفصاحة والبلاغة.
والذي عندي في ذلك أن الانتقال من الخطاب إلى الغيبة أو من الغيبة إلى الخطاب، لا يكون إلا لفائدة اقتضته، وتلك لفائدة أمر وراء الانتقال من أسلوب إلى أسلوب، غير أنها لا تحد بحد، ولا تضبط بضابط.
وقال ابن عاشور: وهو بمجرده معدود من الفصاحة، وسماه ابن جني شجاعة العربية لأن ذلك التغيير يجدد نشاط السامع، فإذا انضم إليه اعتبار لطيـف يناسب وقال : وكذلك الإكثار من أسلوب الالتفات المعدود من أعظم أساليب التفنن عند بلغاء العربية فهو في القرآن كثير ثم الرجوع إلى المقصود فيكون السامعون في نشاط متجدد بسماعه، وإقبالهم عليه، ومن أبدع الأمثلة الآيات في (البقرة17-20) .
وقال ابن الأثير الجزري( ): "وهذا النوع وما يليه( ) من خلاصة علم البيان التي حولها يدندن وإليها تستند البلاغة وعنها يعنعن... ويسمى أيضاً شجاعة العربية وإنما تسمى بذلك لأن الشجاعة هي الإقدام وذاك أن الرجل الشجاع يركب ما لا يستطيعه غيره ويتورد ما لا يتورده سواه وكذلك الالتفات في الكلام فإن اللغة العربية تختص به دون غيرها من اللغات( ).
وقد اهتم بعض المفسرين اهتماماً خاصاً في تجليته من خلال التفسير كما فعل الزمخشري في تفسيره الكشاف والقاضي أبو السعود في تفسيره إرشاد العقل السليم، والألوسي في تفسيره روح المعاني والطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير وغيرهم.
أقسامه:
ينقسم الالتفات إلى أقسام هي:
1- الالتفات من التكلم إلى الخطاب, كقوله تعالى: ﴿وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾[يس: 22], والأصل: وإليه أرجع, فالتفت من التكلم إلى الخطاب.
2- الالتفات من التكلم إلى الغيبة, كقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾[ الكوثر: 1-2], حيث لم يقل: فصللنا.
3- الالتفات من الخطاب إلى التكلم, كقوله تعالى: ﴿قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ﴾[ يونس: 21], على أنه سبحانه نزل نفسه منزلة المخاطب, فالضمير في (قل) للمخاطب, وفي (رسلنا) للمتكلم .
4- الالتفات من الخطاب إلى الغيبة, كقوله تعالى: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ *يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَاب﴾[الزخرف:70-71], فانتقل من الخطاب إلى الغيبة, ولم يقل: يطاف عليكم.
5- الالتفات من الغيبة إلى التكلم, كقوله تعالى: ﴿وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً﴾[ فصلت: 12], فانتقل من الغيبة إلى التكلم, ولم يقل: وزين.
6- الالتفات من الغيبة إلى الخطاب, كقوله تعالى: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء﴾[ الإنسان: 21-22], ولم يقل: كان لهم.
و ذهب الزركشي إلى تقسيم الالتفات إلى سبعة أقسام وهي( ):
1 - الالتفات من التكلم إلى الخطاب.
2 - الالتفات من التكلم إلى الغيبة.
3 - الالتفات من الخطاب إلى التكلم.
4 - الالتفات من الخطاب إلى الغيبة.
5 - الالتفات من الغيبة إلى التكلم.
6 - الالتفات من الغيبة إلى الخطاب.
7 - بناء الفعل للمفعول بعد خطاب فاعله أو تكلمه.
وكذلك ذكر هذه الأقسام السيوطي في الإتقان( ). ومما يقرب من الالتفات الانتقال من خطاب الواحد والاثنين والجمع إلى خطاب آخر وهو ستة أقسام( ):
أحدها: الانتقال من خطاب الواحد لخطاب الاثنين.
الثاني: من خطاب الواحد إلى خطاب الجمع.
الثالث: من الاثنين إلى الواحد.
الرابع: من الاثنين إلى الجمع.
الخامس: من الجمع إلى الواحد.
السادس: من الجمع إلى التثنية.
ومما يقرب من الالتفات أيضاً( ) الانتقال من الماضي أو المضارع أو الأمر إلى آخر، من الماضي إلى الأمر، ومن المستقبل إلى الأمر، ومن الماضي إلى المستقبل، ومن المستقبل إلى الماضي.
*القراءات المندرجة تحت القاعدة وتوجيهها :
1 / قال تعالى : " وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) "
ـ الغيب حكاية عن بني إسرائيل ، وأن تكون مصدرية مجرورة بلام مقدرة .
والمعنى : لئلا يتخذوا من دوني وكيلا . ففيه استحضار معنى الحكاية [ لا ذكرها كما قيلت ].
ـ الخطاب وهو الأصل في حكاية الأقوال ، وأن هنا تفسيرية لما تضمنه الكتاب ، واقتصر على ذكر التوحيد [ ضد الشرك ] لأنه أهم شيء في الرسالة .
2 /قال تعالى : " وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33) "
ـ الخطاب ( تسرف ): للنبي صلى الله عليه وسلم والولاة من بعده.
في الجاهلية إذا قتل القاتل يقتلون الرجل الموازي له في المكانة ؛ لأن القاتل قد لا يوازي المقتول قدرا ، أو أنهم يرون أن دية مقتولهم 10 من القبيلة الثانية أو أكثر . وهذا موجود في بعض الدول العربية الآن .
لذا قال : " فلا تسرف في القتل " لا يذهب لغيره أو يقتل بواحد أكثر منه ، والمعنى : فلا تقتل بالمقتول ظلما غير قاتله.
ـ الغيب ( يسرف ) : في الفاعل قولان :
أ/ ولي المقتول (عامة الناس) .
ب/ الولي ( ولي الأمر ) ، وعلى هذا يكون الفاعل في القراءتين واحد فتدخل الآية على هذا الوجه في قاعدة الالتفات .
*قاعدة الالتفات : الالتفات وجه بلاغي ، إذا تغير الفاعل يخرج من قاعدة الالتفات ويدخل في قاعدة اختلاف الفاعل ، لأن تغير الفاعل يغير معنى الآية والالتفات وجه بلاغي لا يدخل في معنى الآية والأصل فيه :ه تطريب إذن السامع ولا يخلو من فوائد أخرى تكون على حسب سياق الآية .
3 / قال تعالى :" سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43) "
في الآية قراءتان :
ـ يقولون/ غيب وفيه مراعاة للسياق .
ـ تقولون/ خطاب ، وأفاد الالتفات لأن الذين يتكلم عنهم قوم غُيَب .وهو على الأصل في الحكاية
وهنا قاعدة الالتفات .
4/ (ولايشرك)
_ (ولا تُشركْ) بالجزم وتاء الخطاب لابن عامر. لا: ناهيه ،
وتشرك: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ويشمل أمته فهو نهي للنبي وأمته.
_ (ولايشركُ): الباقون ضد الخطاب الغيب وضد الجزم الرفع لا: نافيه والفعل مرفوع ،
تشرك:خبر وليس إنشاء أي: أخبر أنه لايشرك في حكمه أحدا (الله لايشرك في حكمه أحد).
5 / ( يبصروا به )
1 / يبصروا :ـ بالغيب أي : قوم موسى . الياء رفع لضمير الغائب .
2 / تبصروا :ـ بالخطاب : لموسى ومن معه .
(تــــــــــــــــــــــم بحمــــــــــد اللــــــــــــــــــه)